انطلاقًا من عقيدة رافضة للفساد راسخة في وجدان الدولة المصرية، ورؤية واضحة لمنع ومكافحة الفساد ودرء مخاطره عن مسار التنمية، وضعت هيئة الرقابة الإدارية بالتعاون مع جهات إنفاذ القانون، الوزارات، المحافظات، الجامعات، القطاع الخاص، والمجتمع المدني، خطة إعداد وتنفيذ ومتابعة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ، وعلى مدار ٨ سنوات، اضطلعت كل الأطراف بدورها من خلال اللجنة الوطنية الفرعية التنسيقية للوقاية من الفساد ومكافحته، لإطلاق الاستراتيجية بداية من المرحلة الأولى (٢٠١٤-٢٠١٨)، مرورًا بالمرحلة الثانية (٢٠١٩- ٢٠٢٢)، وصولًا إلى المرحلة الثالثة (٢٠٢٣-٢٠٣٠)
بداية في شهر أكتوبر من عام 2003 اعتمدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة اتفاقية مكافحة الفساد، وحددت يوم التاسع من شهر ديسمبر من كل عام يومًا دوليًّا لمكافحة الفساد؛ وذلك لنشر الوعي بأهميته. ودخلت تلك الاتفاقية حيز التنفيذ في ديسمبر من عام 2005، ووصل عدد الدول التي صادقت على أحكامها 189 دولة، وكانت مصر من أوائل تلك الدول التي صادقت على الاتفاقية وشاركت في صياغتها. وعقب نجاح ثورة 30 يونيو 2013، وفي ضوء رغبة شعبية جارفة لبدء مرحلة جديدة من تاريخ وطننا العزيز مصر، دعت القيادة السياسية إلى تبني استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد. وقد أطلق السيد رئيس الجمهورية تلك الدعوة خلال الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد، والذي عُقد بمقر هيئة الرقابة الإدارية في 9 ديسمبر 2014. وجاءت الدعوة تطبيقًا للمادة 218 من الدستور.
تلتزم الدولة بمكافحة الفساد، ويحدد القانون الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بذلك، وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها بمكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية؛ ضمانًا لحسن إدارة الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية، وذلك على النحو الذي يحدده القانون». وتضمنت استراتيجية مكافحة الفساد التي تبنتها مصر ثلاثة محاور رئيسة، وهي:
المحور الأول: إصدار القوانين واللوائح التي من شأنها تحقيق مكافحة الفساد.
المحور الثاني: تمكين الجهات الرقابية والقضائية القائمة من العمل على إنفاذ تلك الاستراتيجية.
المحور الثالث: توافر الإرادة الحقيقية لدى القيادة السياسية لمكافحة الفساد دون تستر على الفساد والمفسدين أيًّا كانت مناصبهم أو مواقعهم.
وقد جاء قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 493 لسنة 2014 معدلًا للقرار رقم 2890 لسنة 2010 ليضع تلك الاستراتيجية موضع التنفيذ؛ ليبدأ تنفيذ المرحلة الأولى منها (2014/2018)، وذلك من خلال تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية وزراء: العدل، والتنمية المحلية، والتخطيط والتنمية الاقتصادية، والتضامن الاجتماعي، ورئيسي هيئة الرقابة الإدارية وهيئة النيابة الإدارية، وممثلين عن وزارتي الداخلية والخارجية، وعن كل من جهاز المخابرات العامة، والجهاز المركزي للمحاسبات، ووحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والنيابة العامة، وجهاز الكسب غير المشروع.
وقد أشادت هيئة الأمم المتحدة بالجهد المصري المبذول في هذا الشأن، وأُدرِجَت الاستراتيجية الوطنية المصرية لمكافحة الفساد كإحدى أهم الممارسات الناجحة لمصر في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته. وقد عملت الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد بكل جد وإخلاص؛ لتطبيق الاستراتيجية وتنفيذ أهدافها وتفعيل محاورها؛ حيث أُصدِرَت مجموعة من التشريعات القانونية الهادفة إلى تنظيم الجهاز الإداري للدولة ومحاربة الفساد، مثل: قانون الخدمة المدنية، وقانون منع تضارب المصالح للموظفين الحكوميين، وميكنة قرارات الذمة المالية. وتوالت مراحل تنفيذ تلك الاستراتيجية؛ حيث أطلق السيد رئيس الجمهورية في ختام فعاليات منتدى إفريقيا 2018 (الكوميسا)، بشرم الشيخ،
المرحلة الثانية (2019/2022) في 9 ديسمبر 2018، والتي استهدفت: تطوير جهاز الإدارة بالدولة ليكون كُفئًا وفعّالًا، وتقديم خدمات عامة ذات جودة عالية، وتفعيل آليات الشفافية بالوحدات الحكومية، وتطوير البيئة التشريعية الداعمة لمكافحة الفساد، وتحديث الإجراءات القضائية تحقيقًا للعدالة الناجزة، ودعم جهات إنفاذ القانون للوقاية من الفساد ومكافحته، وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية مكافحة الفساد، ومشاركة منظمات المجتمع المدني بالقطاع الخاص في منع الفساد.
وفي 15 ديسمبر 2022، أُطلِقَت المرحلة الثالثة من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (2022/2030) في احتفال كبير عُقِد بمقر هيئة الرقابة الإدارية تحت رعاية رئيس الجمهورية، وبحضور: رئيس مجلس الوزراء، والسادة الوزراء، وكل ذي صلة بتلك الاستراتيجية، وممثلي بعض المنظمات الدولية المعنية، وعدد من السفراء؛ وذلك بالتزامن مع احتفال العالم باليوم العالمي لمكافحة الفساد. وتمثلت الرؤية المُعلَنة في ضرورة الوصول إلى مجتمع يُدرِك مخاطر الفساد ويرفضه، ويُعلي قيم النزاهة والشفافية، وكذلك ضرورة اشتراك كل فئات المجتمع في مكافحة الفساد والتعاون مع الجهات المعنية المحلية والإقليمية والدولية؛ تحقيقًا لرؤية مصر الشاملة 2030.
وقد أكَّد رئيس مجلس الوزراء في كلمته خلال ذلك المؤتمر أهمية وجود رؤية وطنية واضحة لتوفير بيئة وطنية نزيهة تكافح الفساد، وأن الحكومة ماضية في العمل على مبادئها الأساسية المتمثلة في النزاهة والشفافية والمساواة والمشاركة والمساءلة وسيادة القانون، وأن تلك الأمور تُعَد غايات لا بد من السعي لتحقيقها؛ وذلك لأن آثار الفساد ليست مجرد أضرار مادية واقتصادية، إنما تمتد للجوانب الاجتماعية والإنسانية المؤثرة على المجتمع كله. كما أكد أن الحكومة ستعمل على تدعيم النتائج التي حققتها المرحلتان السابقتان (الأولى والثانية) من تحسين تصنيف مصر بغالبية التصنيفات التي يصدرها البنك الدولي، إلى تطوير بوابة مصر الرقمية التي تتيح التحصيل الإلكتروني وتقديم الخدمات العامة إلكترونيًّا، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن المرحلة الثالثة من هذه الاستراتيجية تأتي متزامنة مع تحديات اقتصادية واجتماعية يواجهها العالم أجمع لا مصر وحدها، وأن هذه التحديات قد تفتح الباب لانتشار ممارسات فاسدة؛ مما يستوجب التعامل معها بكل حسم؛
وذلك لما لها من أثر سلبي على عملية التنمية، وضرورة العمل على تحقيق الرؤية الواضحة لتلك الاستراتيجية في هذه المرحلة، وهي: خلق بيئة وطنية نزيهة تكافح الفساد، والالتزام بمبادئها الأساسية المتمثلة في النزاهة والشفافية والمشاركة وسيادة القانون والمساواة والمساءلة. وقد حُدِّدَت خمسة أهداف في هذه المرحلة من الاستراتيجية، وهي:
الهدف الأول: ضرورة أن يكون الجهاز الإداري للدولة على مستوى عالٍ من الكفاءة والفاعلية ويقدم خدمات متميزة للمواطن والمستثمر.
الهدف الثاني: إتمام البيئة التشريعية والقضائية الداعمة لمكافحة الفساد والمُحقِّقة للعدالة الناجزة.
الهدف الثالث: ضرورة وجود جهات قادرة على مكافحة الفساد وإنفاذ القانون.
الهدف الرابع: خلق مجتمع واعٍ بمخاطر الفساد وقادر على مكافحته، ونشر ثقافة رافضة له.
الهدف الخامس: ضرورة وجود تعاون دولي وإقليمي فعّال في مجال مكافحة الفساد.
وعلى هامش مؤتمر إطلاق المرحلة الثالثة من تلك الاستراتيجية، وقَّع رئيس هيئة الرقابة الإدارية اتفاقيتين للتعاون في مجالات ذات صلة مع وزارة الشباب والرياضة، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وختامًا، لا تزال الدولة المصرية تعمل بجميع أجهزتها المعنية وذات الصلة بهذا الأمر بكل جهد وإخلاص لتحقيق متطلبات المرحلة الحالية من تلك الاستراتيجية، وصولًا إلى الهدف المنشود بحلول عام 2030، وبما يتفق مع الرؤية الوطنية، ويحقق الخير والتقدم لوطننا العزيز مصر.
المصادر:
-موقع هيئة الرقابة الإدارية
-الهيئة العامة للاستعلامات
تعليقات
إرسال تعليق
أترك رسالتك