مصر و أفريقيا...جسور التاريخ و شراكات المستقبل

. في قلب القارة السمراء، تقف مصر – بتاريخها العريق وحضارتها الممتدة – كركيزة أساسية في البناء الإفريقي الحديث، ليس فقط بحكم الموقع الجغرافي، بل بانتماء أصيل يُجسّد تداخل الهوية والمصير والتكامل بين مصر وأشقائها في القارة. لقد كان ارتباط مصر بإفريقيا دائمًا أكثر من مجرد علاقات دبلوماسية أو تعاون اقتصادي؛ إنه انتماء وجداني وتاريخي، تجسّد في مواقفها الداعمة لحركات التحرر، وفي سعيها الدائم نحو وحدة القارة وتكاملها. مصر شريك في النشأة وصانع في المسار منذ تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، كانت مصر حاضرة بقوة، إيمانًا منها بأن أمنها واستقرارها وتنميتها لا تنفصل عن مستقبل القارة ككل. وقد دعمت مصر المبادئ التأسيسية للعمل القاري المشترك، وساهمت عبر عقود في إرساء آليات التعاون السياسي والأمني والاقتصادي بين دول إفريقيا. مقومات الارتباط العميق بين مصر والقارة الإفريقية 1. التاريخ المشترك والتلاقي الحضاري مصر لم تكن يومًا بمعزل عن إفريقيا؛ بل كانت ملتقى حضارات وثقافات مع شعوب حوض النيل، وامتدت جذورها إلى أعماق الجنوب عبر طرق التجارة والدين والعلاقات الشعبية، في تواصل طبيعي عبر الزمن. 2. الروابط الجغرافية والاستراتيجية بفضل موقعها كبوابة شمال القارة، تلعب مصر دورًا محوريًا في ربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب، وهو ما يجعلها محورًا استراتيجيًا لتيسير التكامل القاري في مجالات النقل والطاقة والتجارة. 3. القيادة الداعمة لقضايا القارة من حفظ السلام إلى الوساطة في النزاعات، ومن دعم التنمية المستدامة إلى المشاركة في القمم والمبادرات، تبقى مصر لاعبًا رئيسيًا في دعم استقرار إفريقيا وتطلعاتها للنهوض. 4. التكامل الاقتصادي والتنمية المشتركة تدرك مصر أن تحقيق الرفاه لا يكون في عزلة، بل عبر أسواق مشتركة ومشاريع عابرة للحدود، مثل الربط الكهربائي، وتطوير ممرات النقل، والتبادل التجاري، بما يعود بالنفع على شعوب القارة كافة. 5. الاستثمار في الإنسان الإفريقي تؤمن مصر بأن بناء القارة يبدأ من الإنسان، لذا حرصت على استضافة مئات الطلاب الأفارقة، وتنظيم منتديات الشباب، وتقديم برامج تدريبية لبناء كوادر مستقبلية تقود التحول المنشود. مصر وإفريقيا.. شراكة هوية ومسار إن العلاقة بين مصر وإفريقيا لم تكن يومًا علاقة خارجية أو طارئة، بل هي جزء من تعريف الذات المصرية الحديثة. فمصر ليست فقط "في" إفريقيا، بل هي "من" إفريقيا، وتؤمن بأن مستقبلها لا يمكن أن ينفصل عن قارتها الأم، بل ينبني معها، وبها. في كل خطوة تنموية أو مبادرة دبلوماسية، تتجلى هذه الرؤية العميقة التي ترى في إفريقيا شريكًا للنهضة لا مجرد مجالًا للحضور. من القاهرة إلى أديس أبابا، ومن الخرطوم إلى كيب تاون، ومن نيروبي إلى داكار، ومن أبوجا إلى برازافيل، ومن تونس إلى بوجمبورا، تمتد جسور التواصل بين مصر وكل العواصم الإفريقية، في لوحة إنسانية تعكس عمق الانتماء ووحدة الأمل. في الرباط، الجزائر، نيامي، نواكشوط، باماكو، لومي، ياوندي، واغادوغو، لواندا، كمبالا، أكرا، كيغالي، بانغي، مالابو، فريتاون، ليبرفيل، جيبوتي، لوساكا، هراري، بوجومبورا، موروني، جوبا، فيكتوريا، بيساو، انجامينا، ماسيرو، وغابورون... تلتقي القلوب قبل السياسات، وتتحد الرؤى قبل المصالح. لا نرى في هذه العواصم حدودًا تفصل، بل محطات تواصل، ووجوهًا أفريقية تنبض بحلم مشترك وسلام راسخ. فكل عاصمة تمثل نبض أمة، وصوت شعب، وظل شجرة ممتدة من جذور التاريخ إلى شمس الغد. دعوتنا اليوم، ومن قلب مصر، هي إلى مزيد من الامتنان لهذا الانتماء العظيم، ولتعميق الروابط مع كل بقعة أفريقية تشاركنا الطموح، والكرامة، والإنسانية. لنبنِ معًا قارة لا تفرّقها المسافات، بل تجمعها الرؤية، ويقودها الإيمان بأن إفريقيا – بكل لغاتها وثقافاتها وعواصمها – قلب واحد نابض بالمستقبل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلاقات المصرية الفرنسية:شراكة ممتدة عبر الزمن

مصر تتألق في قلب موسكو:حضور الرئيس السيسي يُجسد الشراكة الإستراتيجية مع روسيا

الأمن والتنمية جناحي الأمن القومي المصري