القوة الناعمة : القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجذب والإقناع وفي الوقت الحالي، اكتسب مفهوم القوة الناعمة زخمًا كبيرًا إذ يستخدم على نطاق واسع في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية من قِبَل المحللين والسياسيين، والدبلوماسيين و واضعي الاستراتيجيات طويلة المدى ومتخصصي علم الاجتماع السياسي.
وفي ضوء ذلك، يمكن تعريف القوة الناعمة بأنها: عكس القوة الصلبة أو الخشنة ، بمعنى القدرة على الإقناع والتأثير في بعض الأطراف حتى تتم الاستجابة لرغبات الطرف الدولة التي تمارس القوة الناعمة. ويمكن في هذا الصدد الاستفادة من أدوات عديدة؛ منها: الثقافة، والفنون والرياضة، فضلًا عن الدبلوماسية، والمساعدات الخارجية. ويضطلع بهذه الأدوات كلٌ من مؤسسات الدولة، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، إلى جانب إمكانية توظيف وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا في هذا الشأن.
استخدم الرئيس المصري جمال عبد الناصر القوة الناعمة المصرية ببراعة شديدة خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وذلك من خلال توظيف أدوات السينماوالفن،بما أضاف للقوة الناعمة المصرية مكانة كبيرة تكاد تماثل الأهمية الاستراتيجية لحجم البلاد وموقعها الجغرافي.
استعادت مصر صحوة القوة الناعمة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما تجلّى بوضوح في عدة مظاهر، منها على سبيل المثال:
زيادة العلاقات الدبلوماسية مع معظم الدول الإفريقية، والمساهمة في بناء سد جوليوس نيريري بتنزانيا، وافتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، وافتتاح طريق الكباش في مدينة الأقصر، وبناء العاصمة الإدارية الجديدة بناء على معايير معمارية وتكنولوجية وبيئية عالمية، وعقْد العديد من المؤتمرات العالمية والإقليمية والعربية، مثل مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغير المناخ في شرم الشيخ COP27 خلال شهر نوفمبر 2022.
ان دور الثقافة كقوة ناعمة لا يمكن أن يعمل بمعزل عن القوى الأخري استعادة الدور المصري الرائد في المنطقة من خلال علينا الصناعات الثقافية، مثل صناعة النشر والسينما، وبالنظر للحالة المصرية، سنجد أن مصر تحظى بجاذبية لدى دول البحر المتوسط والدول العربية؛ بسبب ما تحظى به من قيم التسامح والديمقراطية، فضلًا عن موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وأيضًا سياستها الخارجية المتزنة، وهي عوامل تتسم بقبول لدى الآخرين، الأمر الذي ينعكس على استمرار جاذبية مصر في محيطها الإقليمي، وعلى المستوى الدولي. وعلى الجانب الآخر نجد أن مصر في قوتها الناعمة تمتلك الأبعاد الثلاثية المتمثلة في التاريخ واللغة والثقافة، حيث صاغت الثقافة المصرية في العصر الحديث جانبًا كبيرًا من وعي ووجدان الشعوب العربية عبر أعلامها في الأدب والفنون والثقافة، ورموزها الفكرية، ونوابغها في العلوم الطبيعية والإنسانية بما يعزز ويساهم في هذا الصدد.
هذا وتمتلك مصر بفضل قوتها البشرية أكثرية عناصر القوة الناعمة في الإقليم حتى الآن، حيث لا تزال اللهجة المصرية هي أوسع اللهجات العربية انتشارًا، وتنتج البلاد أكبر عدد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، وتصدر أكبر عدد من الكتب والمقالات العلمية، وينتمي أغلب الحائزين على الجوائز الأدبية والفنية والعلمية في المنطقة إلى مصر، كما تجتذب البلاد سنويًّا عددًا كبيرًا من السياح العرب.
تسعي مصر أن تستعيد قوتها الناعمة طبقا لتعزيز استراتيجية القوة الذكية من خلال الاهتمام بالثقافة الأصيلة علاوةً على تسليط الضوء على الفن الحقيقي، والاهتمام بنشر الأعمال الأدبية الثرية ذات الفكرة والإبداع، وكذلك الاهتمام بإنتاج أعمال فنية مسرحية هادفة، وتعزيز دور قصور الثقافة والمسارح القومية، ودعم فرق الفنون الشعبية ومهرجاناتها حتى يتعرف العالم على فلكلور كل محافظة من محافظات مصر. فضلًا عن إيلاء اهتمام أكبر لإنتاج المزيد من الأعمال الدرامية التي تتناول السير الذاتية لعظماء مصر، وملاحم وبطولات شعب مصر
يُضاف لما سبق، تنشيط حملات الدعاية للآثار المصرية والسياحة في مصر بمختلف أنواعها في كل شبر على أرضها، إلى جانب الاهتمام الإعلامي بالإنجازات والمبادرات التي تحدث في الوقت الحالي والمخططة مستقبلًا على أرض مصر.
مصر تتبنِّي النهج الدبلوماسي الهادئ والرشيق والمؤثر الذي يعزز العلاقات مع الدول الصديقة على مستوى العالم، والاستمرار في تدشين علاقات قوية ودائمة مع الدول الإفريقية، خاصة المطلة على نهر النيل، وكذلك مع الدول العربية، و تتبني مصر أيضاً تصحيح دور الثقافة والفن بحيث يكون هادفًا ومجمِّعًا وليس مفرِّقًا، والتوجه نحو تحقيق مزيد من التعاون العربي في مختلف المجالات،فضلًا عن مواصلة الجهود المبذولة في سبيل إعادة بناء العامل المصري وأيضاً النظر في إحياء تجمُّع دول محور عدم الانحياز، مع تطوير هذه الفكرة لتتلاءم مع التطورات الدولية الراهنة، فالاستثمار في مجالات القوة الناعمة يمثل استراتيجية رابحة لمصر خلال السنوات القادمة من خلال تعزيز استراتيجية القوة الذكية المصرية.
المصادر:
-موقع الهيئة العامة للاستعلامات
-مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء
تعليقات
إرسال تعليق
أترك رسالتك