الأهرام: أيقونة الصحافة المصرية والعربية — تاريخٌ طويل وإنجازاتٌ ذات ثقل

جريدة الأهرام ليست مجرد صحيفة يومية؛ بل هي مؤسسة إعلامية تاريخية لعبت دوراً مركزياً في تشكيل الخطاب العام في مصر والعالم العربي لأكثر من قرن. اسمها وحده — «الأهرام» — يستدعي رموز التاريخ والحداثة في آنٍ معًا، وهي تحتفظ بمكانة خاصة بين الصحف العربية من حيث النفوذ والامتداد التاريخي. النشأة والبدايات تأسّست جريدة الأهرام على يد الأشقاء اللبنانيين بشارة وسليم تقلا، وقد سجّل التأسيس رسمياً في أواخر عام 1875، وخرج العدد الأول للطباعة في 5 أغسطس 1876 من منطقة المنشية في الإسكندرية. بدأت كمطبوع أسبوعي قبل أن تتحول إلى يومية لاحقًا. مقرها الأصلي كان في الإسكندرية ثم نُقِل إلى القاهرة في نهاية القرن التاسع عشر (نوفمبر 1899). التحول إلى مؤسسة وطنية وكبرى خلال نصف القرن التالي نمت الأهرام من صحيفة محلية إلى مؤسسة قومية ذات انتشار إقليمي. في منتصف القرن العشرين شهدت الصحيفة تحوّلات مهمة: في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ارتبطت الأهرام بدور رسمي أكثر بعد سياسات التأميم والهيكلة الإعلامية في مصر، وما تلاها من تغييرات في العلاقة بين الصحافة والدولة. في عام 1960 جرى تقنين ومأسسة ملكية الصحف، وهكذا أصبحت الأهرام في إطار جديد من السيطرة الحكومية. هذه التحولات أعطت الصحيفة قدرة واسعة على الوصول والتأثير، لكنها كذلك أفرزت نقاشات حول استقلالية الصحافة وحدودها. إدارة ومَن بنى شهرة الأهرام: وجوهٌ صحفية بارزة خلال مسارها الطويل برزت أسماء كبيرة ساهمت في ترسيخ مكانة الأهرام، من أشهرهم: محمد حسنين هيكل الذي تولى منصب رئيس تحرير الأهرام في الفترة (1957–1974) وصار اسمه مرتبطًا بفترة قوتها المهنية وتأثيرها الإقليمي، حيث وصفته كثير من المصادر بأنه أعاد تشكيل الصحيفة كمصدر مرجعي للسياسة العربية. إبراهيم نافعة الذي أشرف على تحريرها في أواخر القرن العشرين وكان له دور إداري وصحفي بارز في المؤسسة. كما نشرت الأهرام على صفحاتها مقالات وإبداعًا لعدد من أشهر الأدباء والمفكرين العرب مثل نجيب محفوظ، ت. حسين، إدوارد سعيد وغيرهم، مما عزز بُعدها الثقافي إلى جانب السياسي والإخباري. الشكل المؤسسي والتوسع الدولي مع مرور الزمن تحولت الأهرام إلى مؤسسة نشر كبيرة تضم عددًا من الإصدارات والأفرع: الأهرام العربي والدولي: إصدارات مخصّصة لمختلف القُرّاء في الوطن العربي وخارجه. Al-Ahram Weekly (النسخة الإنجليزية) التي أُطلقت في 1991 لتعميق تواصل المؤسسة مع الجمهور العالمي والقراء الناطقين بالإنجليزية. Al-Ahram Hebdo (الإصدار الفرنسي) الذي أُسس عام 1994 لخدمة الناطقين بالفرنسية ومتابعي الشأن المصري في أوروبا وأفريقيا الناطقة بالفرنسية. كما قامت الأهرام بجهود رقمية وأرشيفية كبيرة؛ فـالأرشيف الرقمي للأهرام أصبح مورداً بحثياً مهماً للباحثين ومتعقبي التاريخ المصري والشرق أوسطي. مكانتها وتأثيرها: لماذا تُعتبر أيقونة صحفية؟ 1. القدم والزمن: وجودها منذ أواخر القرن التاسع عشر يمنحها ثقلًا تاريخيًا قلّما يتوافر في الصحافة العربية. 2. قاعدة المثقفين والكتاب: استقطبت فئات من أبرز الكتاب والمفكرين العرب، ما جعلها مرجعًا ثقافياً وسياسياً. 3. الانتشار والدعم المؤسسي: كونها جزءًا من مؤسسة إعلامية واسعة ذات موارد كبيرة عزز من انتشارها وإمكانية طباعة إصدارات متعددة ولغات متنوعة. 4. النفوذ في تشكيل الخطاب: تاريخياً اعتُبرت الأهرام منبرًا تأثيريًا في رسم تصورات الرأي العام الرسمي والنخبوي إقليميًا. إنجازات بارزة عبر التاريخ ديمومة النشر: استمرار صدورها لأكثر من قرن ووجود أرشيف صحفي ضخم. إطلاق نسخ بلغات متعددة: نجاحها في تأسيس نسخ إنجليزية وفرنسية موجهة للجمهور الدولي. مساهمة ثقافية وفكرية: نشر أعمال ومقالات أدبية وفكرية إلى جانب التغطية السياسية، ما جعلها مساحة للتبادل الثقافي. أرشفة رقمية: إنشاء أرشيف رقمي يسهل البحث العلمي ويعزّز قيمة المحتوى التاريخي. النقد والجدل: وجهٌ آخر لتاريخ الأهرام لا يخلو تاريخ الأهرام من نقاشات نقدية، خصوصًا بعد تقاربها أو ارتباطها بمؤسسات الدولة في فترات معينة؛ فقد وُجهت إليها اتهامات بالتأثر بالخط الرسمي للدولة في قرارات تحريرية معينة، وهو نقاش شائع عند دراسة الصحافة ذات العلاقة الوثيقة بالسلطة. مثل هذا الجانب مهم لفهم صورة الكيان الإعلامي في سياق السلطة والمجتمع. خاتماً: الأهرام بين الذاكرة والحداثة الأهرام صنعة تاريخية ومؤسسة إعلامية تحمل ذاكرة مصر الحديثة: مرورها بتاريخٍ سياسياً واجتماعياً دفع بها لتكون أكثر من صحيفة؛ هي سجل ومسرح لتفاعلات السياسة والثقافة والهوية. في الوقت نفسه، تواجه تحديات العصر الرقمي والجدل حول الاستقلالية التحريرية. ومع ذلك، يظل إسهامها التاريخي والثقافي سببًا يجعل الحديث عنها دائمًا ذا قيمة للباحثين والمثقفين والقُرّاء على حد سواء

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلاقات المصرية الفرنسية:شراكة ممتدة عبر الزمن

من الجذور إلى العولمة: رحلة العادات والتقاليد في المجتمع المصري

مصر تتألق في قلب موسكو:حضور الرئيس السيسي يُجسد الشراكة الإستراتيجية مع روسيا